سورة الشعراء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قال فرعون وما رب العالمين} يقول أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله أي يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه، وهو سؤال عن جنس الشيء، والله تعالى منزه عن الجنسية والماهية فلهذا عدل موسى عن جوابه، وأجابه بذكر أفعاله وآثار قدرته التي تعجز الخلائق عن الإتيان بمثلها {قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} أنه خالقهما فاعرفوا أنه لايمكن تعريفه إلا بما ذكرته لكم، فإن أيقنتم بذلك لزمكم أن تقطعوا أنه لا جواب لكم عن هذا السؤال إلا ما ذكرته من الجواب، وقال أهل المعاني أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها، فأيقنوا أن إله الخلق هو الله تعالى الذي خلقها وأوجدها فلما قال ذلك موسى تحير فرعون في جواب موسى {قال لمن حوله} أي من أشراف قومه قال ابن عباس: كانوا خمسمائة رجل عليه الأسورة {ألا تستمعون} وإنما قال فرعون: ذلك على سبيل التعجب من جواب موسى، يعني أني إنما أطلب منها الماهية وخصوصية الحقيقة وهو يجيبني بأفعاله وآثاره وقيل: إنهم كانوا يعتقدون إن آلهتهم ملوكهم ثم زادهم موسى في البيان {قال ربكم ورب آبائكم الأولين} يعني أن موسى ذكر ما هو أقرب فقال ربكم يعني أنه خالقكم وخالق آبائكم الأولين {قال} يعني فرعون {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} يعني المقصود من السؤال طلب الماهية، وهو يجيب بالآثار الخارجة وهذا لا يفيد البتة فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلاً عن أن يجيب عنه، ويتكلم بكلامه لا نقبله ولا نعرف صحته، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل فزاد في البيان {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني، ومعنى إن كنتم تعقلون قد عرفتم أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت {قال} فرعون حين لزمته الحجة، وانقطع عنه الجواب تكبراً عن الحق {لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} قيل كان سجن فرعون أشد من القتل، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان يهوي فيه إلى الأرض وحده فرداً لا يسمع ولا يبصر فيه {قال} له موسى حين توعده بالسجن {أولو جئتك بشيء مبين} أي بآية بينة والمعنى أتفعل ذلك، ولو جئتك بحجة بينة وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بالبيان {قال} يعني فرعون {فأت به} أي إنا لن نسجنك حينئذٍ {إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} قيل إنها لما صارت حية ارتفعت في السماء، قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون فقال: بالذي أرسلك ألا أخذتها فأخذها موسى، فعادت عصاً كما كانت فقال وهل غيرها قال نعم وأراه يده في أدخلها في جيبه ثم أخرجها، فإذا هي بيضاء من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس وهو قوله: {ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} فعند ذلك {قال} فرعون {للملأ حوله إن هذا} يعني موسى {لساحر عليم} وكان زمان السحر فلهذا روج فرعون هذا القول على قومه ثم قال {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} قال هذا القول على سبيل التنفير لئلا يقبلوا قول موسى {فما تأمرون} يعني ما رأيكم فيه وما الذي أعمله فعند ذلك {قاله أرجه وأخاه} أي أخره وأخاه {وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم} قيل إن فرعون أراد قتل موسى فقالوا لا تفعل فإنك إن قتلته دخلت الناس شبهة في أمره ولكن أخره، واجمع له سحرة ليقاوموه ولا تثبت له عليك حجة.
قوله تعالى: {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} يعني يوم الزينة قال ابن عباس وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} أي لتنظروا ما يفعل الفريقان، ولمن تكون الغلبة {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} لموسى قيل أراد بالسحرة موسى وهارون وقالوا: ذلك على طريقة الاستهزاء {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين} طلبوا من فرعون الجزاء، وهو بذل المال والجاه فبذل لهم ذلك كله.


وقوله: {قال نعم وإنكم لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون} أي بعظمة فرعون {إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم قيل: إن عصى موسى صارت حية وابتلعت كل ما رموه من حبالهم وعصيهم ثم أخذها موسى فإذا هي كما كانت أول مرة {فألقي السحرة ساجدين} قيل إنهم لما رأوا ما جاوز حد السحر علموا أنه ليس بسحر، ثم لم يتمالكوا أن خروا ساجدين ثم إنهم {قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} وإنما قالوا رب موسى وهارون، لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا عزله {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون} فيه وعيد مطلق وتهديد شديد ثم بين ذلك الوعيد فقال {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلا ربنا منقلبون} أي لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا، لأنا نتقلب ونصير إلى ربنا في الآخرة مؤمنين مؤملين غفرانه وهو قولهم {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي الكفر والسحر {أن} أي لأن {كنا أو المؤمنين} أي من أهل زماننا وقيل أول المؤمنين أي من الجماعة الذين حضروا ذلك الجمع. قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون} أي يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج، قيل: أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل، كل أهل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وآمرهم أن لا يدخلوا بيتاً على بابه دم، ثم اخبزوا فطيراً فإنه أسرع لكم ثم اسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر، فيأتيك أمري ففعل ذلك موسى، ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون إن لنا في هذه الليلة عيداً فاستعاروا منهم حليهم، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جهة البحر فلما سمع فرعون ذلك، قال: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا في أنفسنا وأخذوا أموالنا {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين} يعني الشرط يحشرون الجيش قيل: كانت المدائن ألف مدينة واثني عشر ألف قرية، فأرسل فرعون في أثر موسى وقومه ألف ألف وخمسمائة ألف، وخرج فرعون في الكرسي العظيم في مائتي ألف ملك مسورين مع كل ملك ألف فلذلك قال {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال أهل التفسير كانت الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل، لم يعدوا دون العشرين وفوق الستين سنة وقال ابن مسعود كانت ستمائة ألف وسبعين ألفاً، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
{وإنهم لنا لغائظون} الغيظ الغضب يعني أنهم أغضبونا بمخالفتهم فينا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا {وإنا لجميع حاذرون} أي خائفون من شرهم وقرئ حذرون، أي ذوو قوة وأداة شاكوا السلاح وقيل الحاذر الذي يحذرك الآن بالتحقيق من المتلبس بحمل السلاح، والحذر الذي لا تلقاه إلا خائفاً {فأخرجناهم من جنات وعيون} قيل: كانت البساتين ممتدة في حافتي النيل فيها عيون وأنهار جارية {وكنوز} يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وسماها كنوزاً لأنه لم يؤد حق الله منها وكل مال لم يعط، ولم يؤد حق الله منه فهو كنز وإن كان ظاهراً قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق، في عنق كل فرس طوق من ذهب قال الله تعالى: {ومقام كريم} أي مجلس حسن قيل: أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت لهم وقيل إنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف من قومه والأمراء وعليهم أقبية الديباج مخوصة بالذهب والمعنى أنا أخرجناهم من بساتينهم التي فيها العيون وأموالهم ومجالسهم الحسنة {كذلك} أي كما وصفنا {وأورثناها بني إسرائيل} وذلك أن الله عز وجل رد بني إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون، وقومه فأعطاهم جميع ما كان لفرعون، وقومه من الأموال والأماكن الحسنة {فأتبعوهم مشرقين} أي لحق فرعون وقومه موسى، وأصحابه وقت شروق الشمس وهو إضاءتها {فلما تراءى الجمعان} يعني تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} أي سيدركنا فرعون وقومه ولا طاقة لنا بهم.


{قال} أي موسى لثقته وعد الله تعالى إياه {كلا} أي لن يدركونا {إن معي ربي سيهدين} يعني يدلني على طريق النجاة {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} أي فضربه فانشق {فكان كل فرق} أي قطعة من الماء {كالطود} أي الجبل {العظيم} قيل لما انتهى موسى ومن معه إلى البحر هاجت الرياح فصار البحر يرمي بموج كالجبال، قال يوشع: يا كليم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون من خلفنا، والبحر أمامنا قال موسى، ها هنا فخاض يوشع الماء لا يواري حافر دابته، وقال: الذي يكتم إيمانه يا كليم الله أين أمرت قال: ها هنا فكبح فرسه فصكه بلجامه حتى طار الزبد من شدقه، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فجعل موسى لا يدري كيف يصنع فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده {وأزلفنا ثم الآخرين} يعني قربنا فرعون وجنوده إلى البحر وقدمناهم إلى الهلاك وقيل إن جبريل كان بين بني إسرائيل، وبين قوم فرعون يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم أولكم، ويقول للقبط رويداً ليلحق آخركم أولكم، فكان بنو إسرائيل يقولون ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل، وكان قوم فرعون يقولون ما رأينا أحسن دعة من هذا الرجل {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين} يعني أنه تعالى جعل البحر يبساً حتى خرج موسى وقومه، منه وأغرق فرعون وقومه، وذلك أنهم لما تكاملوا في البحر انطبق عليهم فأغرقهم {إن في ذلك لآية} يعني ما حدث في البحر من انفلاقه آية من الآيات العظام الدالة على قدرته ومعجزة لموسى عليه السلام {وما كان أكثرهم مؤمنين} يعني أهل مصر قيل: لم يؤمن منهم إلا آسية امرأة فرعون، وحزقيل مؤمن آل فرعون، ومريم ابنة مامويا التي دلت على قبر يوسف حين أخرجه موسى من البحر {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} قوله تعالى: {واتل عليه نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبد ون} يعني أي شيء تعبد ون وإنما قال إبراهيم ذلك مع علمه بأنهم عبد ة لأصنام، ليريهم أن ما يعبد ونه ليس من استحقاق العبادة في شيء {قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين} يعني نقيم على عبادتها وإنما قالوا: نظل لأنهم كانوا يعبد ونها بالنهار دون الليل {قال هل يسمعونكم} يعني يسمعون دعاءكم {إذ تدعون أو ينفعونكم} يعني بالرزق {أو يضرون} يعني إن تركتم عبادتهم وإذا كان كذلك، فكيف يستحقون العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة القاطعة {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} المعنى أنها لا تسمع قولاً ولا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً ولكن أقتدينا بآبائنا في ذلك، وفي الآية دليل على إبطال التقليد في الدين وذمه ومدح الأخذ بالاستدلال {قال أفرأيتم ما كنتم تعبد ون أنتم وآباؤكم الأقدمون} أي الأولون {فإنهم عدو لي} أي أعداء لي وإنما وحده على إرادة الجنس.
فإن قلت: كيف وصف الأصنام بالعداوة؟ وهي جمادات لا تعقل. قلت: معناه فإنهم عدو لي يوم القيامة لو عبد تهم في الدنيا وقيل: إن الكفار لما عبد وها ونزلوها منزلة الأحياء العقلاء أطلق إبراهيم لفظ العداوة عليها وقيل: هو من المقلوب أراد فإني عدو لهم لأن من عاديته فقد عاداك {إلا رب العالمين} أي ولكن رب العالمين، فإنه ربي وولي وقيل إنهم كانوا يبعدون الأصنام مع الله تعالى فقال إبراهيم كل ما تعبد ون أعداء لي إلا رب العالمين ثم وصف معبوده الذي يستحق العبادة فقال {الذي خلقني فهو يهدين} إلى طريق النجاة {والذي هو يطعمني ويسقين} أي يرزقني ويغذيني بالطعام والشراب {وإذا مرضت} أصابني مرض أضاف المرض إلى نفسه استعمالاً للأدب وإن كان المرض والشفاء من الله {فهو يشفين} أي يبرئني ويعافيني من المرض {والذي يميتني ثم يحيين} أي يميتني في الدنيا ثم يحييني في الآخرة.

1 | 2 | 3 | 4